أن القرآن الكريم نزل على البشرية بكل ما تحتاج أن تتذكره وتحيط به علما لتحقيق كرامتها وسعادتها: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ (١)، ومع ذلك فالمصرّون على الكفر غارقون في كبرهم الزائف وفي استعلائهم وفي ظنهم بالاكتفاء الذاتي بما عندهم من العلم: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ﴾ (٢).
بل إنهم يبررون ضلالهم بزعم ضلال غيرهم من المجتمعات التي عبدت وتعبد آلهة متعددة، كعقيدة التثليث عند المسيحية: ﴿ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اِخْتِلاقٌ﴾ (٧)، وضلالهم ليس مقتصرا على التشكيك في شخص النبي ﷺ: ﴿أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا﴾ بل يتجاوزه إلى التشكيك بفحوى رسالته: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ﴾ (٨).
لكنّ التشكيك بمغزى الخلق والحياة يؤدي بأصحابه بالضرورة إلى نبذ المقاييس الأخلاقية وإلى العمى الروحاني: ﴿وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ومن ثم يؤدي بهم إلى عذاب الآخرة:
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ﴾ (٢٧).
وقد جاءهم النبأ العظيم أو الرسالة العظيمة التي هي القرآن الكريم فأعرضوا عنه: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ (٦٧ - ٦٨)، مع أنه ليس للإنسان من عذر في الإعراض، فقد سبق أن علّمه تعالى الأسماء كلها، انظرآية [البقرة ٣١/ ٢]، أي المقدرة على التفكير المجرد ومن ثم المقدرة على تمييز الحق من الباطل، وتفوّق الإنسان على غيره من المخلوقات بالفكر والعقل ما يفسر قوله تعالى أنه خلقه بيديه: ﴿قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ (٧٥).
ثم إن القرآن الكريم ليس للعرب وحدهم بل رسالة عالمية للناس كافة: ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ (٨٧)، ولسوف يأتي الوقت، إن في الدنيا أو في