عدم استيلاء الدنيا عليهم، وهي أيضا دلالة على ترجمة عقيدتهم إلى أعمال، وفي الآية تعريض بشدة حب اليهود للدنيا، وتهالكهم على جمع المال بشتى الوسائل ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ﴾ لأنه من دون الإيمان تحبط الأعمال ولا تنفع صاحبها شيئا، والإيمان لا يكون مقتصرا على الإيمان بالوحي الذي نزل على رسول دون غيره، وإنما الإيمان بكامل الوحي الذي نزل على الأنبياء والرسل، وخاصة الإيمان بالآيات التي نزلت على خاتم الأنبياء والرسل محمد ﷺ بالنسبة إلى من أدرك بعثته، كما هو مبيّن في الآية التالية، وفي الآيات (١٥٧ - ١٥٨) إحدى العبر الرئيسة في هذه السورة من قصة موسى مع بني إسرائيل:
١٥٧ - ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ﴾ استئناف الخطاب من الآية السابقة، والمعنى سأكتب رحمتي للذين يتقون، ويؤتون الزكاة، والذين يؤمنون بالآيات، وهم المتصفون باتباع هدي خاتم الأنبياء والرسل محمد ﷺ، وفي ذلك حث لبني إسرائيل على اتباعه شرطا لقبول توبتهم المشار إليها بقول موسى ﴿إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ﴾،
﴿النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ الذي لا يقرأ ولا يكتب، وقيل هذه الصفة نسبة إلى العرب، لأن الأميّة كانت غالبة فيهم، وفي هذا الوصف تنبيه على إعجاز الرسالة، لأن الوحي نزل مشتملا على المعجز من علوم الدنيا والآخرة، وعلى الأخبار الصحيحة عن الرسل والأقوام الغابرة التي كانت قبل الرسول ﷺ، في حين لم يكن بمقدوره ﷺ أن يطّلع على كتب اليهود والنصارى ولا غيرها، بل إنّ الوحي نزل بتصحيح ما ورد فيها من انحرافات ومتناقضات، فهذه الصفة هي صفة مديح بالنسبة إليه ﷺ، وأما بالنسبة إلى غيره فلا ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً﴾