﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ بلا غفلة ولا فتور ممّا قد لا يكون شأن الإنسان، والتسبيح له معنيان: المعنى الأول هو التنزيه، وسبّوح من أسماء الله تعالى، والمعنى الثاني هو تكريس النفس بحماس وهمّة، وأما التقديس فله معنيان أيضا: الأول هو التطهير، والقدس هو الطهر، وتقدّس معناها تطهّر، وقدّوس من أسماء الله تعالى، والمعنى الثاني هو إعلان القداسة وتمجيدها ﴿قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ أعلم ما لا تعلمون من الحكمة في خلق الإنسان، فالحكمة الالهية اقتضت خلق سلالة على الأرض تخوّل بعض السلطة، وذات عاطفة، وتكون لها حرية الخيار، وأنّ الانسان يكون خليفة بالعلم، لأنّه يستطيع بالعلم أن ينتهي عن الإفساد وسفك الدماء.
٣١ - ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾ قد يكون المراد من الأسماء المسمّيات، لأنّ الاسم هو صورة المعلوم في الذهن، وأنّ تعليم آدم الأسماء كلّها يعني تزويده بالمفاهيم والمدركات، والمقدرة على المحاكمة والتفكير المجرّد واستنباط العلوم، أو الاستعداد لتحصيل علوم ومعارف لا حد لها كما نرى في عصرنا الحاضر، ومنها علوم الإنسان الروحية وإيمانه الفطري والفكري بعالم الغيب، وقد يكون المراد العلم الذي بواسطته ينتهي الإنسان عن الإفساد وسفك الدماء، جوابا على استفهام الملائكة عن الحكمة من خلق الإنسان، والواضح أنّ المقصود من آدم الجنس البشري بكامله لقول الملائكة: ﴿قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ،﴾ وهذه الآية دالة على فضل العلم، وتفضيل بني آدم بالعلم على غيرهم من المخلوقات، وأنّ الإنسان يستطيع بالعلم أن يصون نفسه عن الإفساد وسفك الدماء.
﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ إن كنتم صادقين في أنّ دور الإنسان سيكون مقتصرا على الإفساد وسفك الدماء، في حين أنه بالعلم يستطيع أن يصون نفسه عن ذلك.