يصرّح بوجهة السفر، إلاّ في غزوة تبوك فقد أخبر الناس سلفا أنه يريد قتال الروم، لكي يستعدّوا ويتجهّزوا لبعد المسافة، والمشقة، وليكونوا على علم مسبق بكثرة العدو وقوّته ﴿مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ﴾ الزيغ هو الميل، والمعنى قارب بعضهم، لشدة المشقة ورهبة العدوّ، أن يميل قلبه عن الطريق السويّ، فيعصى أمر الرسول ﷺ في النفير، أو تخطر على باله الوساوس لشدة الموقف ﴿ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ﴾ عفا تعالى عن مقاربتهم أن يعصوا الرسول ﷺ، وأن تزيغ قلوبهم عن الواجب ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ فلا يحاسبهم على ضعف النفوس البشرية إذا لم تخرج من نطاق الأفكار والوساوس إلى نطاق المعصية العملية.
١١٨ - ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ﴾ عطف على الآية السابقة، أي وتاب على الثلاثة ﴿الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ الذين ما ذهبوا خلف الرسول ﷺ، بل خلفوه في المدينة وتخلّفوا عنه، قال الرازي: الخالفين بمعنى المخالفين، ويقال للرجل خالفة بمعنى مخالف كثير الخلاف، والخالف أيضا الفاسد، ومنه خلوف الفم، قال الأصمعي: يقال: خلف يخلف، عن الخير، خلوفا إذا فسد، ويقال خلف اللبن وخلف أي فسد، انظر شرح الرازي للآية (٨٣)﴾، وقال الألوسي: المعنى أنّه قد خلّف أمرهم أي تمّ تأجيله ولم يقطع في أمرهم بشيء حتى نزل الوحي بهم، وقد ورد في كتب السيرة أنّ الثلاثة هم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وقصتهم معروفة في كتب التفسير، ولا يمنع أن ينطبق المعنى أيضا على أصناف ثلاثة من المؤمنين وقت غزوة تبوك: فريق منهم تقدم بأعذار باطلة للتخلف، وفريق آخر قعد ولم يعتذر وتخلف بسبب الوساوس والهواجس وضعف النفس البشرية، وفريق ثالث تخلف لمجرّد الإهمال والفوضى وعدم الالتزام، فكل المعاني التي تنطوي عليها كلمة ﴿خُلِّفُوا﴾ تنطبق على هؤلاء