١٦ - ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ المعنى أنّ الله تعالى لا يحاسب الناس بحسب علمه بالغيب منهم، وإنما بتحقق وظهور أفعالهم إلى حيز الوجود، ويلاحظ قوله ﴿الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ ولم يقل الذين آمنوا منكم، لأنّ الإيمان بمجرد الكلام لا يكفي، بل يجب أن يصدّقه العمل، ولأنّه تعالى يبتلي العباد بالمحن، وعليهم العمل والجهاد بالأموال وبالأنفس، راجع آية [البقرة ٢١٤/ ٢] و [آل عمران ١٤٢/ ٣]، ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ لم يتخذوا وليجة، أي بطانة، من الذين يضادّون رسول الله ﷺ ويضادّون المؤمنين، والوليجة مشتقة من الولوج أي الدخول، فالداخل في القوم وليس منهم: وليجة، والمعنى نهي المؤمنين عن اتخاذ المشركين بطانة وحلفاء لهم ضد إخوانهم المؤمنين ﴿وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ فيحاسبكم على أعمالكم.
١٧ - قال الرازي في علاقة هذه الآية بما قبلها أنه تعالى بعد أن بدأ السورة بذكر البراءة من الكفار وفصّلها، ثم حكى عنهم شبها احتجّوا بها على المؤمنين في أن هذه البراءة غير جائزة، وأجابهم عليها، ثم في هذه الآية أجاب على زعمهم أنهم ذوو صفات حميدة من حيث كونهم عامرين للمسجد الحرام ويخدمون زوّاره، فقال جلّ شأنه: ﴿ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ﴾ ليس ذلك من شأنهم ما داموا على الكفر، لأنّه كمن يجمع بين المتناقضات، ومعنى عمارة المسجد التردد عليه وزيارته والإعتكاف فيه للعبادة، أو القيام عليه بالتنظيف والترميم والخدمة والصيانة، ومنه قوله تعالى ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ [الطور ٤/ ٥٢] أي بزوّاره، وكذا يقال لساكن الدار: عامر، أي بأهله، ومنه العمرة لأنّ المعتمرين يعمرون البيت الحرام بزيارتهم ﴿شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ لأنّ أعمال الكفار وسلوكهم وعبادتهم الأوثان كلها تشهد عليهم بالكفر ﴿أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ﴾ بطل ثوابها بنتيجة شركهم، وهي