وبعد أن ذكرت سورة القلم زعم الكفار بعلوم الغيب: ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ [القلم ٤٧/ ٦٨] تبين هذه السورة أنهم عن علم الغيب عمون: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ * وَما لا تُبْصِرُونَ﴾ [الحاقة ٣٨/ ٦٩ - ٣٩].
[محور السورة]
حتمية وقوع الحاقّة، ما يقطع الشك باليقين: ﴿وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ [٣/ ٦٩]، وأن عذاب الكفار قد يقع في الدنيا قبل الآخرة كما حدث للأمم البائدة: ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً﴾ [١٠/ ٦٩]، وأن ما يلقاه المرء من عاقبة في آخرته ليس سوى نتيجة طبيعية لأعماله في دنياه: ﴿إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ﴾ [٣٣/ ٦٩ - ٣٤]، وأن القرآن الكريم يفوق بكثير كل ما يمكن للبشر أن يتوصّل إليه من تلقاء نفسه: ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾ [٥١/ ٦٩].
[النظم في السورة]
﷽
﴿تبدأ السورة بالتذكير بالحاقّة أي القيامة التي تحقّ فيها الأمور فتدرك على حقيقتها، عندما تزول عن الإنسان الأوهام وخداع النفس ويبدو له على وجه اليقين مغزى حياته الدنيوية وآخرته: ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ﴾ (١ - ٢)
وأنّ إدراكها المفاجيء ساعة وقوعها خارج أي تصور بشري ممكن: ﴿وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ (٣)
لكنّ عذاب الدنيا قد يقع قبل عذاب الآخرة، وتضرب مثلا بما نزل من عذاب المكذّبين من الأمم البائدة: كذّبت ثمود رسولها صالح، وكذّبت عاد رسولها هود: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤)﴾ لأنّ رسلهم أنذرتهم