﴿قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا﴾ قال الذين ينكرون الوحي والبعث والحساب، قالوا للرسول ﷺ: ﴿اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا﴾ أي ليكن قرآنا موافقا لأهوائنا، ومطابقا لمقاييسنا في الخطأ والصواب والخير والشر، حتى نقبله منك ﴿أَوْ بَدِّلْهُ﴾ أو على الأقل بدّل بعض ما فيه، حتى يوافق عباداتنا وعاداتنا الوثنية، ومغزى قولهم أن مصدر القرآن بشر، وليس وحيا سماويا ﴿قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي﴾ ليس ذلك باستطاعتي ولا هو بإمكاني ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ﴾ هذا كل ما في الأمر ﴿إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ بالافتراء والكذب ﴿عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ انظر آية [الأنعام ٩٣/ ٦].
١٦ - ﴿قُلْ﴾ لهم أيها النبي، جوابا على لمزهم: ﴿لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ﴾ لما بعثني إليكم رسولا، ولكنّ خالق البشر لا يترك عباده يتخبطون بلا هدى، انظر [التوبة ١١٥/ ٦]، وهذا المعنى مرتبط أيضا بالآيات (٢ - ٣) ﴿وَلا أَدْراكُمْ بِهِ﴾ أي ولا أعلمكم بهذا القرآن، بل لترككم تتخبطون في الظلام، لكن ذلك مناقض للتكليف والاختبار، انظر [الأنعام ١٣١/ ٦]، ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ﴾ من قبل نزول القرآن، على مدى أربعين سنة، كانوا يعرفون صدق النبي ﷺ وأمانته حتى لقبوه بالأمين، وكان أميا لا يقرأ الكتب، ولم يدرس شرائع من سبقوه، ولم يتلقّ علما من أحد، ولم تعرف عنه أساليب البلاغة والبيان من شعر ونثر، ولم يكن طالب سلطة ولا جاه ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ حضّ على التفكير واستخدام العقل، فالعرب بمجموع فصحائهم وبلغائهم، على كثرتهم، عجزوا عن مضاهاة القرآن، أو الإتيان بمثله، أو بسورة واحدة من مثله، فمن باب أولى أن يكون الواحد الأميّ منهم أعجز عن الإتيان بكتاب يبهر كلام الفصحاء جميعا، وفي نفس الوقت يكون مشحونا بعلوم الأصول والفروع، والحكمة، وأخبار ما كان وما يكون، مخبرا عن الغيب، لقوله ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ﴾ [الطور ٣٣/ ٥٢ - ٣٤].