للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (٤)

٤ - ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ هذا الاستثناء من قوله تعالى ﴿بَراءَةٌ﴾، وفيه التفات الخطاب إلى المؤمنين، وتقدير الخطاب: براءة من الله ورسوله، إلى المشركين المعاهدين ناقضي العهود، إلاّ الذين لم ينقضوا العهد فأتّموا إليهم عهدهم ﴿ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً﴾ من شروط العهد ﴿وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً﴾ لم يحاربوكم ولم يحرضوا غيرهم على قتالكم ولم ينصروا عدوّكم ﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ﴾ المعنى أن الوفاء بالعهد من فرائض الإسلام، وهو من أصول البر ومقتضى الإيمان لقوله تعالى: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا﴾ [البقرة ١٧٧/ ٢]، وقوله جلّ شأنه ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً﴾ [الإسراء ٣٤/ ١٧]، فلا يجوز نقض العهد إلا بانتهاء وقته ما دام الطرف الآخر محافظا عليه ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ الذي يتقون نقض العهود، ويتقون سائر المفاسد المخلة بالنظام والعدل.

﴿فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاُحْصُرُوهُمْ وَاُقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٥)

٥ - ﴿فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ وهي الأشهر الأربعة المشار إليها في الآية (٢)﴾، ومعنى انسلاخ الأشهر انقضاؤها، وهو استعارة، كما يسلخ ويكشط جلد الشاة الذبيحة من مكانه شيئا فشيئا، ويستعمل للمكان وللزمان كقوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ [يس ٣٧/ ٣٦]، لأن الزمان ينسلخ شيئا فشيئا كما ينسلخ الضوء عن جانب من الكرة الأرضية فيخلّف الظلام وراءه ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ في الحلّ أو في الحرم، وها هنا تحديد لما يجب على المؤمنين القيام به بعد انسلاخ الأشهر الحرم، وهو قتال المشركين وقتلهم ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ أسرى ﴿وَاُحْصُرُوهُمْ﴾ تعبير عن محاصرتهم ﴿وَاُقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ لرصد تحركاتهم، ويلاحظ أنه قد أبيح

<<  <  ج: ص:  >  >>