اتخذ بعضهم من المخلوقات أندادا له، وقد يستعبدهم متسلط عليهم يتّبعونه كأنه خالقهم، وقد يستعبد المال بعض الناس فينسون خالقهم ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي وأنتم تعلمون بطلان ذلك، لأن الإنسان يستطيع بفطرته أن يدرك معنى التوحيد، فيكون شركه، مع مقدرته على إدراك التوحيد، أكبر جرما وشناعة.
٢٣ - لما بيّن الخالق للكفار والمشركين ما يثبت الوحدانية ويبطل الشرك، وحثّ على التفكر في الدلائل، كخلق الناس من العدم، وخلق الأرض مستقرّا لهم، وخلق الكون بناء عجيبا، وإنزال المطر وإنبات الثمار، وهي كلها دلائل موصلة إلى التوحيد ومبطلة للشرك، لأن أحدا من المخلوقات لا يقدر على شيء من ذلك، أعطى تعالى البرهان الحاسم على إثبات نبوّة محمد ﷺ، وإعجاز الوحي: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا﴾ فهذه طريقة لإزالة الريب من قلوبكم: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ وقبل ذلك تحدى القرآن المشركين في مكة أن يأتوا بأي شيء مماثل للقرآن في إعجازه إن كانوا يعتقدون أن القرآن من تأليف البشر، انظر آيات [يونس ١٠/ ٣٨] و [هود ١١/ ١٣] و [الإسراء ١٧/ ٨٨] و [الطور ٥٢/ ٣٣ - ٣٤]، ويلاحظ أن كلمة ﴿رَيْبٍ﴾ في الآية مرتبطة مع الآية (٢)﴾ من هذه السورة بأن الكتاب لا ريب فيه، ويحتمل عود الضمير في ﴿مِثْلِهِ﴾ للنبي ﷺ، كما يحتمل عوده للقرآن، ومن المهم ملاحظة عبارة ﴿نَزَّلْنا﴾ بلفظ التنزيل دون الإنزال، وهو بمعنى النزول على مهل وتدرّج، لأنّهم كانوا يقولون: لو كان هذا من عند الله لم ينزّل هكذا نجوما، آية بعد آية وسورة بعد سورة ولنزل دفعة واحدة، غافلين عن تنزّله بما يناسب ظروف البعثة، فالجواب إن ارتبتم بهذا الذي نزّل على مهل فهاتوا أنتم سورة واحدة مثله ﴿وَاُدْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ ادعوا أكابركم وأعوانكم ومن ادّعيتم فيهم الألوهية ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾