٢١٢ - بعد أن ذكر تعالى حال من يبدّل نعمة الله بعد ما جاءته، أتبعه بذكر السبب الذي لأجله فعلوا ذلك فقال ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ فانهمكوا بالجري خلفها دون حساب لما وراءها ﴿وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يسخرون منهم بأنّهم فوّتوا على أنفسهم لذّات الدنيا، لأنّ القول بالآخرة باطل عندهم ﴿وَالَّذِينَ اِتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ يكون المتّقون فوق الكفار في الثواب والمنزلة ﴿وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ الله تعالى يرزق المؤمن والكافر في الحياة الدنيا، وقد جعل في الدنيا سننا وأسبابا ومسبّبات، من أخذ بها وصل إليها كافرا كان أو مؤمنا، ولو جعلها للمؤمنين خاصة لبطل التكليف والاختيار والاختبار، ولصار الإيمان قسرا، انظر شرح الآيات (٣٦، ١٢٦، ١٥٥).
٢١٣ - ﴿كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً﴾ أي على الفطرة والتجانس في حياتهم البسيطة الأولى، كما كانوا أيضا أمة واحدة على الجهل والترقب والبحث عن الحقيقة، يحاولون الاهتداء بما يرشد إليه العقل والفطرة السليمة حتى بعث فيهم الأنبياء ﴿فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ مبشّرين بثواب الآخرة والجنة، ومنذرين بالعقاب والنار ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ﴾ أي مع الأنبياء ﴿الْكِتابَ بِالْحَقِّ﴾ الكتاب بمعنى الوحي وليس كتابا بعينه، وهذا المعنى يتكرر في أماكن عديدة من القرآن الكريم ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ يبيّن لهم الحق من الباطل فيما اختلفوا فيه من العقيدة والسلوك ﴿وَمَا اِخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ﴾