وهنالك مغزى آخر في الآية بأنّ طلب العلم واجب على كلّ من لديه الاستعداد والقابلية لذلك، فليس كل الناس لديهم الاستعداد للعلم، ومن جهة أخرى لا يمكن للجميع أن يتفرّغوا لطلب العلم كي لا تفوت على المجتمع المصالح العامة.
١٢٣ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ﴾ الأمر بقتال الكفار القاطنين في جزيرة العرب، بدليل الآيات التالية (١٢٤ - ١٢٧)، وهو معنى قوله ﴿يَلُونَكُمْ﴾ أي يجاورونكم، والأمر بقتالهم لأن جزيرة العرب يجب أن تكون خالصة للمسلمين دون غيرهم، راجع شرح الآية (٢٨)﴾ وآية [الأنفال ٥٦/ ٨]، ويشمل المعنى أيضا الكفار الذين يقدمون من أقطار بعيدة لقتال المسلمين في بلادهم، فينطبق عليهم معنى ﴿يَلُونَكُمْ﴾ أي يدنون منكم ويصيرون قريبين من دياركم ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ الغلظة هي الشدّة، وهي ضدّ الرقّة، قال الرازي: التعبير يدل على تقليل الغلظة، وهو يصحّ فيمن أكثر أحواله الرحمة والرأفة، ومع ذلك فلا يخلو عن نوع غلظة، كأنه قيل لو بحثوا في أخلاقكم وطبائعكم لوجدوا فيكم غلظة، وأن هذه الغلظة تعتبر فيما يتصل بالدعوة إلى الدين، وذلك إمّا بإقامة الحجة والبينة، وإما بالقتال، فأمّا أن يحصل هذا التغليظ فيما يتصل بالمعاملات اليومية من بيع وشراء ومجالسة فلا، انتهى ﴿وَاِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ المراد أن يكون قتال الكفار بدافع تقوى الله لا بدافع طلب المادة والسلطة، والمراد أيضا اتقاء التقصير وإتقاء أسباب الهزيمة بمراعاة سننه تعالى في الخلق، باتخاذ الأسباب وإعداد القوة، وبالصبر والثبات والنظام وترك التنازع والخلاف، والتوكل على الله فيما وراء الأسباب.