يختبرون المرّة بعد المرّة، وسنة بعد سنة ﴿ثُمَّ لا يَتُوبُونَ﴾ عن كفرهم مع كلّ ذلك ﴿وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ لا يتّعظون، ولا يذّكرون الميثاق الفطري المأخوذ عليهم، [الأعراف ١٧٢/ ٧] و [آل عمران ٨١/ ٣].
١٢٧ - ﴿وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ﴾ وتليت عليهم وعلى المؤمنين ﴿نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ﴾ نظر التغامز والتهكم والسخرية والتآمر، والمغزى أنهم اتخذوا موقفا مسبقا من الرسالة الإسلامية برسوخهم في الكفر سلفا، وتصميمهم على عدم استخدام العقل في تقويمها ﴿هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ يسترقون النظر إلى بعضهم البعض، محاولين أن لا ينكشف موقفهم للمسلمين ﴿ثُمَّ اِنْصَرَفُوا﴾ عن سماع القرآن، وعن التفكر والتدبّر في الآيات القرآنية، وانصرفوا عن دراستها واعتبارها بذاتها من حيث جدارتها ومصداقيتها ﴿صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ﴾ عن الاهتداء بالقرآن ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ أي بسبب أنهم لا يفقهون ما يسمعون من الآيات، لعدم استعمال عقولهم فيها، راجع آيتي [الأنفال ٢٢/ ٨ و ٥٥].
١٢٨ - بعد أن فصّلت السورة موقف التكذيب الذي اتخذه الكفار والمنافقون بأنواعهم، تجاه دعوة النبي ﷺ، تلخص هذه الآية بالمقابل موقف النبي ﷺ من الناس، أنه لا يريد سوى هدايتهم، ويخشى عليهم من سوء العاقبة:
﴿لَقَدْ جاءَكُمْ﴾ الخطاب للعرب خاصة، لأنه ﷺ بعث إليهم ابتداء، فآمن العرب بدعوته أولا، ثم آمن العجم بدعوة العرب لهم، وهو أيضا خطاب عام لجميع البشر، لأن النبي ﷺ بعث للناس كافة ﴿رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ أي هو من جنس البشر مثلكم، فلو كان فوق جنس البشر، أو من جنس الملائكة لأشكل الأمر على الناس كما ورد في آية [الأنعام ٩/ ٦]، والمعنى أيضا أنه من عشيرتكم