القعود عن القتال كما قعدنا نحن لما قتلوا، ويحتمل المعنى أيضا أن المنافقين قالوا هذا القول لبعضهم البعض، أو قالوه لمن عاد من المسلمين من أحد، أو لغيرهم من المسلمين تثبيطا لهم، فقالوا لهم أنه لو أطاع شهداء أحد المنافقين في القعود كما قعدوا هم عن الجهاد لما قتلوا، وقد لاحظ الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار أنه تعالى ذكر قول المنافقين قبل أن يذكر قعودهم، مع أن القعود سبق القول، والسبب أنّ قولهم كان أقبح من قعودهم لما فيه من الخبث وتثبيط همم باقي المسلمين عن القتال في المستقبل، في حين أنّ القعود عن القتال وإن كان إثما فهو محصور بمن قعد لا يتعدّاه إلى غيره ﴿قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أي إن كنتم صادقين في قولكم ادفعوا الموت عن أنفسكم، والمعنى أنّ القعود عن القتال لا يضمن لكم النجاة من الموت، وقد يموت القاعد عن القتال كما قد ينجو المقاتل، إذ هنالك أسباب كثيرة للموت والنجاة منه ليست مقتصرة على القتال أو القعود عنه.
١٦٩ - ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً﴾ الخطاب متصل بما قبله وموجّه للمسلمين بعد وقعة أحد وفي كل زمن، فبعد أن بيّن تعالى بطلان ادّعاء المنافقين أن المجاهدين لو قعدوا لما قتلوا، فهو تعالى يقول أنهم حتى لو قتلوا في الجهاد فهذا شيء مستحب لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون: ﴿بَلْ أَحْياءٌ﴾ تقديرها بل هم أحياء ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ وهذا شبيه بقوله تعالى:
﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة ٢/ ١٥٤] أي لا نشعر بطبيعة حياتهم الغيبية.