للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ﴾ (٣١)

٣١ - ﴿فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ﴾ السوأة هي ما يسوء ظهوره أو يسوء مظهره، ورؤية جسد الميت، ولا سيما القتيل ممّا يسوء الناظرين إليه، والمعنى أن القاتل إضافة إلى جريمته ترك جثة أخيه في العراء بلا دفن، حتى بعث الله غرابا يحفر في الأرض بحثا عن الطعام، ممّا أوحى إلى القاتل أن يحفر حفرة لدفن أخيه القتيل: ﴿قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي﴾ قالها متحسرا بعد أن اكتشف فظاعة الواقع الذي انتهى إليه ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ﴾ صدمته فكرة دفن جثة أخيه تحت الأرض، وأحسّ بفظاعة الجرم الذي اقترفه.

﴿مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ (٣٢)

٣٢ - ﴿مِنْ أَجْلِ ذلِكَ﴾ أي من أجل مثل هذه الجرائم التي يقتل فيها الأبرياء ﴿كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ أي شرّعه تعالى عليهم، ولا يمنع أن ينطبق هذا التشريع على الناس جميعا في كلّ الأزمنة والأمكنة، وإنّما خصّ بني إسرائيل بالذكر لكون الحديث عنهم، والإفساد فيهم أكثر من غيرهم ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ أي بغير سبب القصاص الذي شرعه تعالى: ﴿أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ﴾ أي لإفساد في الأرض، وقد أضمر حرف الجر ﴿فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً﴾ لأن الفوضى تعم ويصبح كل إنسان عندئذ معرضّا للقتل، والإشارة إلى تكافل المجتمع وتضامنه، وهو ما يشار إليه في التعبير الحديث بالحق العام ﴿وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً﴾ إذا امتنع كل فرد عن القتل يكون الجميع آمنين على أنفسهم في المجتمع ﴿وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ﴾ بعث في بني إسرائيل الكثير

<<  <  ج: ص:  >  >>