موجّه للذين يطلبون المعجزات المذكورين آنفا كما هو موجه للمؤمنين ﴿وَأَنْصِتُوا﴾ لكي تمعنوا الفكر بمعانيه ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي لعلكم تعملون بما يوجب الرحمة، إذا كان استماعكم عن تفهم واستيعاب وتفكّر وقبول وعمل، وفي تفسير المنار أن قوة الدين وكمال الإيمان واليقين لا يحصلان إلاّ بكثرة قراءة القرآن واستماعه، وأنه ما آمن أكثر العرب في أول البعثة إلاّ بكثرة الاستماع إليه وفهمه.
وقد ذكر الرازي أن ليس المقصود حمل الآية على ظاهرها بمعنى وجوب الاستماع والإنصات في أي موضع قرئ القرآن، لما في ذلك من حرج كبير للمكلّفين، وفي روح المعاني أنه إذا كان رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأ القرآن فلا يمكنه استماع القرآن فالإثم على القارئ، ولو قرأ على السطح في الليل جهرا والناس نيام يأثم، وهذا ينطبق على القراءة من المآذن في هذه الأيام، والنتيجة أنّ الأمر بالاستماع والإنصات لغرض التفكر والتدبّر وإعمال العقل، بعدما جاءت الآية السابقة تقرر أن القرآن بصائر للعقول، وفي هذه الآية أيضا عودة إلى أول السورة (الآية ٣).
٢٠٥ - ﴿وَاُذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ وهو عطف على الاستماع للقرآن بغرض الفهم، والمراد أن يكون الذاكر عارفا بمعاني الأذكار التي يقولها بلسانه، مستحضرا إياها في قلبه، لأن الذكر باللسان وحده بمعزل عن استحضار المعاني يكون عديم الفائدة، مثل سماع القرآن دون التفكّر بمعانيه، وقالوا أيضا إن الذكر اللساني الساذج لا ثواب فيه أصلا ﴿تَضَرُّعاً﴾ أي متضرّعا، والتضرّع الابتهال ﴿وَخِيفَةً﴾ يكون المتضرّع بين الرجاء والخوف ﴿وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ الجهر رفع الصوت المفرط، ودون الجهر أن يكون التضرع بين الجهر والمخافتة، وقيل بقدر ما يسمع المتضرّع نفسه ﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ﴾ صباحا مساء ﴿وَلا﴾