﴿بل يضلّون أنفسهم بزعم أنّ النبي ﷺ افتراه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَراهُ قُلْ إِنِ اِفْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (٨)، وفي ذلك إشارة لموضوع (الآية ٢)،
في حين أن بعث النبي ﷺ لم يكن من الغرابة في شيء، فبعث الأنبياء كان مستمرا منذ بدء الخليقة، والنبي لم يدّع علم الغيب، والرسالة الإسلامية استمرار لما سبقها من الرسالات: ﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ (٩)
فما مبرر كفرهم ببعث النبي سوى أنهم مستكبرون؟ علما أنّ موسى بشّر بمجيء النبي وهو مذكور في كتبهم، "سفر التثنية ١٥/ ١٨ و ١٨/ ١٨"، والخطاب هنا صار موجّه لليهود: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاِسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ (١٠) والشاهد من بني إسرائيل هو موسى نفسه،
فإنّهم من واقع ماديتهم وسلطانهم ينظرون إلى المؤمنين نظرة عجرفة وفوقية، وينسبون ضعف المؤمنين إلى ديانتهم، في حين أن هذا الضعف - إن وجد - ناتج عن سوء فهم للدين: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ (١١)
وقد نزلت التوراة بما فيها من البشارة بمقدم النبي ﷺ، وهذا القرآن يصدّق التوراة الأصلية: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا﴾ القرآن ﴿كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢)﴾، وفي انتقال الآية من ذكر بعثة موسى ﵇ إلى الإشارة لبعثة محمد ﷺ ما فيه من إغفال ذكر بعثة عيسى ﵇ كونه بعث إلى اليهود خاصة، وإشارة ضمنية أيضا لانتقال النبوة من بني إسحاق إلى بني إسماعيل،