للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٨ - ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ استمرار الخطاب من الآية السابقة، والمعنى أن المطر إذا نزل على الأرض الطيبة نبتت فيها الخيرات ﴿وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً﴾ البلد الذي خبثت أرضه، كالأرض السبخة، لا يخرج نباته إلا نكدا، أي شحيحا عسرا قليل الخير، وقد لا يخرج إلا الأشواك والأعشاب الضارة ﴿كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ بمثل هذا الشرح وضرب الأمثال نبيّن الآيات للناس الذين يقدّرون نعمة الهداية حق قدرها، وقيل إن هذا مثل ضربه تعالى للمؤمن والكافر، وقد شبّه نزول القرآن على البشرية بنزول المطر، وشبّه ذوي العقول المنفتحة والصدور التي تتقبل الحق، بالأرض الخصبة، وشبّه ذوي الأفق الضيق والعصبية بالأرض القاحلة السبخة، لأنهم صممّوا على التقليد والكفر، ولا يرغبون البحث الجدّي والموضوعي عن الحقيقة، فالهدي الإلهي لا يفيدهم مثلما لا تفيد المطر الأرض السبخة.

والآيات التالية (٥٩ - ١٧١) توضح هذه النقطة بقصص تاريخية من النبوّات التي نزلت على خمس من الأمم البائدة وهم قوم نوح، وعاد، وثمود، ولوط، وشعيب، بالإضافة لبني إسرائيل، وهي في الوقت ذاته تأكيد على موضوع الآيات السابقة لجهة التكليف وتوحيد الألوهية، ووجوب النظر في الدلائل، كما هي تأكيد على موضوع الآيات (٤ - ٥) و (٣٤ - ٣٦) إن آجال الأمم، بغتة أو جهرة، مرتبطة باتّباع هدي الرسل:

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اُعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (٥٩)

٥٩ - ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اُعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾ كلّفهم بالعبادة وأمرهم بالتوحيد، ويحتمل من الخطاب أن قوم نوح لم يكونوا منكرين لوجود الله ولا جاهلين به، ولا معارضين لفكرة عبادة الله، ولكنهم ابتلوا بالشرك، فنشأ عندهم العديد من الآلهة المزيفة اعتبروها إما مستحقة للعبادة بذاتها كما يعبدون الله، أو أن هذه الآلهة وسطاء وشفعاء لهم

<<  <  ج: ص:  >  >>