التوجيهات والتعاليم القرآنية عامّة وصالحة لكل العصور وليست خاصة بالأحداث التي رافقت نزول الوحي فقط، ويؤيد ذلك ما ذكره الرازي عند تفسيره للآية (٥٤) إذ قال: إن الناس اتفقوا على أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن أن يقال في كل واحدة من آيات هذه السورة أن سبب نزولها هو الأمر الفلاني بعينه؟ وقد ذكر الطبري أيضا في تفسيره للآية (١٤١) أن الآية كانت تنزل على الرسول ﷺ بسبب خاص من الأمور، ثم يكون الحكم بها على العام، بل عامّة آي القرآن كذلك:
﴿ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ لأن حساب الجميع على الله، وقد استدل الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار أن مغزى الآية نفي الرئاسة الدينية المعهودة في الملل الأخرى كأن يكون لرؤساء الدين حق محاسبة الناس على عقائدهم، أو أن يكون لهم حق حرمان بعضهم من المغفرة بزعمهم، وحق طردهم من الدين كما تفعل الكنيسة، وإذا كان تعالى لم يجعل لنبيه حق محاسبة الآخرين على عقائدهم وعلى عباداتهم - ناهيك عن طردهم من الدين - فمن باب أولى أن لا يحق ذلك لأحد غيره من الناس، وهذا المعنى ينطبق اليوم بين طوائف المسلمين من سنة وشيعة ﴿فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ من يطرد أمثال هؤلاء أو يقصيهم يكون من الظالمين، وعلى العكس من ذلك فقد كان من هدي النبي ﷺ تألّف قلوب ضعاف الإيمان واستيعابهم وإرشادهم، كما كان يعامل المنافقين بما يقتضيه ظاهر إسلامهم فالأحكام تبنى على الظاهر، والله تعالى يتولّى السرائر.
٥٣ - ﴿وَكَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ الأغنياء بالفقراء، والكفار بالمؤمنين، ومعنى الفتنة الاختبار والمعنى أنه تعالى اختبر بني آدم بأن أعطاهم المقدرة على