﴿وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ﴾ وهو مجاز، لأن الجار عند العرب يدفع عن جاره أنواع الضرر، والعرب تقول أنا لك جار، أي أمنع الغير من الوصول إليك بضرر ﴿فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ﴾ رأوا بعضهم بعضا والتقوا ﴿نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ تراجع، والنكوص على العقبين مجاز، والمعنى أن وساوسه في حثّ المشركين وتحريضهم لم تعد ذات أثر وقت اللقاء، لأن الله تعالى ألقى في قلوب الذين كفروا الرعب، الآية (١٢)، ﴿وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ هذا التعبير الرمزي لوساوس الشيطان، وخذلانه أتباعه، كما هي عادته، مذكور بعمومه في آية [الحشر ١٦/ ٥٩].
٤٩ - ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ وهذا القول أيضا بنتيجة وساوس الشيطان للمنافقين والذين في قلوبهم مرض، فمن جهة زيّن الشيطان لكفار مكة أعمالهم، وحثّهم على الخروج للقاء المسلمين وألقى في روعهم أن النصر سيكون لهم، ومن جهة ثانية ثبّط المنافقين وضعاف النفوس في المدينة من مسلمي الأوس والخزرج حتى تخلفوا عن الانضمام لجيش النبي ﷺ بغير عذر وقالوا: ﴿غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ﴾ استخفّوا بالمسلمين وسخروا منهم لخروجهم قليلي العدد والعدّة في مجابهة جبروت قريش وقوتها الكبيرة، واعتبر المنافقون ذلك من قبيل خفة العقل والاغترار بالدين، ولا شك أن هذا القول كان في المدينة قبل الخروج للقتال، ولم يكن عند التلاقي لأن المنافقين لم يشهدوا قتال بدر، وهذه الآية من جملة الأدلة أن المسلمين كانوا قد حسموا أمرهم على لقاء جيش المشركين قبل خروجهم من المدينة، وأنهم لم يخرجوا للهجوم على قافلة أبي سفيان - راجع الخلفية التاريخية - ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ﴾ لا يغلبه شيء ﴿حَكِيمٌ﴾ في نصر عباده المستحقين الذين اتخذوا للأمور أسبابها ثم توكلوا عليه، وذلك ما لا يعرفه المنافقون ومرضى القلوب.