﴿وَالْأَحْبارُ﴾ ويحكم بالتوراة أيضا الربّانيّون والأحبار، أما الربّانيّون فالمقصود بهم المنسوبون إلى الربّ لأنهم متعمقون في معاني الوحي وملتزمون به، والأحبارهم علماء اليهود ﴿بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ﴾ كتاب الله هو التوراة المفترض أن يحكم بها النبيون والربانيون والأحبار بأحسن فهم لها، لقوله تعالى مخاطبا موسى ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها﴾ [الأعراف: ٧/ ١٤٥].
﴿وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ﴾ المعنى أن أنبياء اليهود والربّانيون والأحبار، وعوا المعنى الحقيقي للكتاب وأيقنوا به، فكأنهم شهود على صحته ﴿فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَاِخْشَوْنِ﴾ الخطاب موجه إلى الربانيين والأحبار اليهود زمن البعثة الإسلامية، والمعنى احكموا بالصحيح من كتابكم ولا تخشوا قومكم، وخاصة فيما عرفتموه عن مجيء خاتم الأنبياء والرسل ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً﴾ الثمن القليل هو الزعامة الدنيوية والدينية التي كان اليهود يخافون فواتها لو تبعوا النبي ﷺ، فقد رسخ فيهم الوهم أنهم شعب الله المختار، وأن النبوة محصورة فيهم إلى الأبد ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ﴾ لأنهم فضّلوا أحكامهم الظنية وأهواءهم على حكم الله.
٤٥ - ﴿وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ أي النفس تقتل بالنفس قصاصا ﴿وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ وردت هذه العقوبات المشددة عند اليهود في كتابهم (سفر الخروج ٢١/ ٢٣ - ٢٥)، غير أنّ المقصود منها المماثلة والمساواة في العقوبة، وعدم التجاوز والتعدّي، والنهي عن التشفّي والانتقام، وهو معنى القصاص لغة ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ﴾ أي إن العفو، من قبل وليّ المقتول أو من قبل الجريح،