بعد بعثة المسيح آخر أنبياء بني إسرائيل بأكثر من ستة قرون، وكانت الرسل قبله تترى في بني إسرائيل ﴿أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ﴾ أي كراهة أن تعتذروا فتقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير يعيدنا إلى الطريق القويم، لأنهم كانوا بانتظار قدوم النبي المنتظر، المخلّص من الضلال، فلمّا جاءهم لم يؤمنوا به ﴿فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ﴾ ليبين لكم أن الأمر ليس منوطا بالأماني والأوهام، ولكن بالإيمان والعمل، فبطلت حجّتكم ﴿وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فهو قادر على الاستجابة لحاجات خلقه ونصرة دينه بأن بعث فيهم خاتم الأنبياء والرسل.
٢٠ - في هذه الآية يعود الخطاب لموضوع الآيات (١٢ - ١٣) عن بني إسرائيل خاصة، وما يليها عن النصارى وأهل الكتاب عامة:
﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اُذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ﴾ المعنى اذكر أيها النبي لبني إسرائيل ولغيرهم من الناس، ما قاله موسى لهم مذكّرا إيّاهم بنعم الله عليهم ﴿إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ﴾ بعث في بني إسرائيل الكثير من الأنبياء المذكورين في كتبهم، فمن جهة شرّفهم تعالى بكثرة بعث الأنبياء فيهم، وهو من جهة ثانية دليل على ارتكاسهم المتكرر نحو الوثنية والضلال ممّا استدعى تقويمهم باستمرار، إلى أن بعث فيهم آخر أنبيائهم عيسى المسيح ﵇ فرفضوه، ثمّ رفضوا خاتم الأنبياء والرسل محمد ﷺ، وما زالوا إلى اليوم ينتظرون قدوم المسيح وقدوم النبي المنتظر ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً﴾ لأنّ بني إسرائيل، بعد تحررهم من عبودية فرعون، صاروا ملوك أنفسهم، وقضى تعالى أن يكون منهم الملوك الأنبياء كداود وسليمان ﴿وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ﴾ أي في زمانهم، آتاهم تعالى الوحي الذي نزل على موسى ﵇، كما آتاهم الكثير من المعجزات في زمن موسى كانفلاق البحر، ونزول المن والسلوى،