١٠٥ - ﴿وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ﴾ يوضحاها تعالى من كل الوجوه ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ فيقول الخصوم أن النبي ﷺ أشبعها دراسة كي تظهر بهذا الإعجاز ﴿وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ تصريف الآيات وإيضاحها من كل الوجوه هو لغرض بيان القرآن لأهل العلم من ذوي الذهن المنفتح، الذين لا يعارضون القرآن تقليدا ولا عنادا، ولا قبل أن يقرؤه ويتفكروا في معانيه، وأما زعم البعض أنه ﷺ دارس بالقرآن اليهود وغيرهم من أهل الكتاب فينقضه أن هذه السورة مكية نزلت قبل أن يتصل بهم في المدينة، ولو تلقى عنهم القرآن بالمدارسة لما سكت اليهود عن بيان ذلك للمشركين حين أرسلوا إليهم يسئلونهم أكثر من مرة، وعلى شدة تشوق اليهود لتكذيب النبي ﷺ فإنهم لم يقولوا بهذا الزعم، يضاف إلى ذلك أن القرآن مهيمن على كتبهم، انظر آية [المائدة: ٥/ ٤٨]، وقد نسخ منها ما نسخ [البقرة: ٢/ ١٠٦]، وأظهر تحريف وتلاعب الأحبار بها، وكون أكثرها من تأليفهم، انظر شرح آيات [آل عمران: ٣/ ٣] و [النساء: ٤/ ٤٦] و [المائدة: / ١٣ - ١٤].
﴿اِتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ (١٠٦)
١٠٦ - ﴿اِتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ﴾ لا تبال، أيها الرسول، ولا تلتفت إلى سفاهات الكفار كقولهم درست، فالحق يعلو بنفسه ويظهر بقول وعمل وإخلاص أصحابه ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ بعد إبلاغهم.
١٠٧ - ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا﴾ فلا يثقل عليك كفرهم أيها النبي، إذ لو شاء الله لخلقهم كالملائكة، فيكونوا طائعين مؤمنين بلا خيار، ولكن مضت سنته تعالى أن يكون للبشر حرية الخيار فلا يجبرهم تعالى على الإيمان والطاعة