١٧ - ﴿ذلِكَ﴾ الانهيار الذي حدث، وما تلاه من التدهور في الزراعة ﴿جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا﴾ بما كسبت أيديهم من الفساد والغرور والعمى الروحاني، واعتبارهم أن ما وصلوا إليه من الحضارة والغنى استحقوه بمحض مهارتهم واستحقاقهم ولا علاقة له بالتوفيق الإلهي ﴿وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ﴾ فلا شيء اعتباطي، والجزاء مترتّب على العمل.
١٨ - ﴿وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾ بينهم وبين مكة المكرمة والقدس ﴿قُرىً ظاهِرَةً﴾ بعضها على مرأى من بعضها الآخر ﴿وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ﴾ جعلنا السفر بينها سهلا ﴿سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيّاماً آمِنِينَ﴾ بلا خوف.
١٩ - ﴿فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا﴾ زعموا أنّ ما توصّلوا إليه من الترف والنعم، وسهولة تنقّلهم، وسفر قوافلهم التجارية بين اليمن والحجاز وبين بلاد الشام، كل ذلك ظنّوه نتيجة مهارتهم ومقدرتهم وذكائهم المحض، فبطروا وكفروا وتحدّوا أن تكون أسفارهم أبعد وأشقّ من ذلك، وظنّوا أنهم مالكو أمورهم بالمطلق ﴿وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ باعتدادهم بأنفسهم واستكبارهم وغرورهم ﴿فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ﴾ جمع أحدوثة، أي صاروا أحاديث على ألسنة الناس تحكي غابر تاريخهم ﴿وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ بانهيار سدودهم وتفرقهم وهجرتهم في البلاد ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ﴾ دلالات ورسالات ﴿لِكُلِّ صَبّارٍ﴾ يصبر على دواعي الهوى ﴿شَكُورٍ﴾ لنعمه تعالى، فلا ينسبها لمحض جدارته.