٦٨ - ﴿وَلَمّا دَخَلُوا﴾ مصر ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ﴾ أي متفرقين ﴿ما كانَ يُغْنِي﴾ رأي يعقوب ﴿عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ لأنّ الحذر لا ينجي من القدر، فكل ما يقع في الوجود بقضائه تعالى وسابق مشيئته وحكمته في علاقة الأسباب بالمسببات، وإذا أراد تعالى شيئا هيّأ له أسبابه ﴿إِلاّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها﴾ أي فيما كان يريده من الحيطة ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ﴾ بكل ما ذكر ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ لأنهم مغترّون بالظواهر.
٦٩ - وصل الإخوة إلى مصر ﴿وَلَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ﴾ وسلّموا عليه وعرفوه على أخيهم ﴿آوى إِلَيْهِ أَخاهُ﴾ بنيامين، فقربه إليه وتحدث معه بعاطفة حميمة وأسرّ إليه: ﴿قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ﴾ يوسف ﴿فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من المكائد فقد جاء الفرج، ثم إنه وضع خطة للاحتفاظ به عنده، ونلاحظ هنا أن يوسف كشف هويته لأخيه بنيامين فور لقائه وذلك خلافا لرواية سفر التكوين التي تزعم أنه عرّف نفسه لجميع اخوته في آن واحد في نهاية القصة.
٧٠ - ﴿فَلَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ﴾ من المؤن ﴿جَعَلَ السِّقايَةَ﴾ أي وعاء الكيل، ويبدو أنه كان ذا قيمة ﴿فِي رَحْلِ أَخِيهِ﴾ جعل السقاية ضمن متاع أخيه بنيامين، فلما أزمع الأخوة الرحيل: ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾ نادى المنادي ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ﴾ أو أيتها القافلة ﴿إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ﴾ قال الرازي أن ليس في القرآن أنهم نادوا بذلك النداء عن أمر يوسف ﵇ والأقرب لظاهر الحال أنهم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم، وفي هذه قد يكون - كما يلزم أن نستنتج - أن يوسف وضع السقاية بشكل خفي في رحل بنيامين كهدية خاصة لأخيه المفضّل دون أن يعرف خدمه ذلك، وبالطبع لم يرد إعلام باقي إخوته العشرة.