سوف يقوله: ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ بمعجزة قاهرة برهانا على ما أقول، والخطاب صار بصيغة الجمع لأنه موجّه إلى فرعون ومن معه من الملأ، وهم الوجهاء وكبار القوم ﴿فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ وهي النتيجة الثانية التي أراد موسى أن يصل إليها، بعد أن شرح لفرعون أن لهذا الكون ربّا، والمراد إطلاق بني إسرائيل من العبودية حتى يذهبوا مع موسى إلى الأرض المقدسة، وقد كانت الفترة بين دخول يوسف ﵇ مصر ودخول موسى ﵇ حوالي أربعة قرون، لأن يوسف دخلها خلال القرن السابع عشر قبل الميلاد خلال حكم الهكسوس، ودخلها موسى خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
١٠٦ - ﴿قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ﴾ أي بعلامة أو معجزة ﴿فَأْتِ بِها﴾ وهو تشكيك من فرعون بمجيء الآية ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ ومزيد من التشكيك في صدق موسى، كما أن هذا القول، في مجمله، ينم عن سخرية فرعون من إدعاء موسى واستخفاف به.
١٠٧ - ﴿فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ﴾ ثعبان مبين أي ظاهر واضح في كونه ثعبانا حقيقيا تراه الأعين من غير أن يسحرها ساحر فيخيل إليها خيالا، وقد لعب الثعبان دورا كبيرا في أساطير قدامى المصريين، فقد كان عندهم رمزا للظلام والرعب، إذ زعموا أن رع - الشمس الإله - حقق نصرا على الثعبان أبوفيس Apophis ، في إشارة إلى انتصار نور الشمس على الظلام، وهكذا فقد كان لتحول عصا موسى إلى ثعبان تأثيره الكبير في عقلية المشاهدين، لأن موسى تمكن من السيطرة على الثعبان وإعادته عصا، الثعبان الذي بصعوبة تمكن إلههم رع من هزيمته، وقد أورد بعض المفسرين قصصا إسرائيلية غريبة عن حجم الثعبان وضخامته، والألوف الذين قتلهم، وردود فعل فرعون تجاهه، ولا شك أن مثل هذه القصص من روايات الزنادقة أو الإسرائيليات،