الإيمان، ويسمّى ذلك إغواء وإضلالا، والمعنى: إن كنتم أيها الكفار من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله وألطافه فكيف ينفعكم نصحي؟ أو: إن اقتضت سنته تعالى أن تكونوا من الغاوين بمقتضى ارتباط الأسباب بمسبباتها فلا ينفعكم نصحي، والغيّ الفساد المعنوي، وهو أيضا الخيبة، والإغواء وقوع الغواية والخيبة بمقتضى سنة الله تعالى في تأثير أسبابهما من الأعمال الاختيارية لصاحبها ﴿هُوَ رَبُّكُمْ﴾ الذي خلقكم والمتولّي أموركم ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فيجازيكم بأعمالكم.
٣٥ - يلاحظ في هذه الآية انتقال مفاجيء في الخطاب من الماضي - في حوار نوح مع قومه - إلى المضارع لذا قال بعضهم إنّها معترضة وذات ارتباط بالآية (١٣)، بمعنى أنّها دحض لادعاء مشركي مكة أن قصة نوح مفتراة، غير أنه يحتمل أنّ الآية من قصة نوح ولا مقتضى لاعتراضها في وسطها:
﴿أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَراهُ﴾ أي أم يقول مشركو مكة أن النبي ﷺ قد افترى ما يحكيه عن قصة نوح - أو يقول قوم نوح أنه يفتري الكلام عن الله - ﴿قُلْ إِنِ اِفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي﴾ إن صحّ وثبت أني افتريته فعليّ عقوبة إجرامي أي افترائي ﴿وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ﴾ أثبت الإجرام عليهم وهو اتهامهم له بالافتراء وتكذيبهم الوحي.
٣٦ - ﴿وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ لم يعد يرجى أدنى أمل من إيمان الباقين ﴿فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ لا تحزن من عنادهم، وقد آن وقت العقاب.