للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكل أمة، عبر العصور، مبدأ وطريقا يوصلها إلى السلامة الدنيوية والروحية، ومتناسبا مع ظروفها وعصرها ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً﴾ بأن أجبركم على مبدأ وطريق واحد منذ بدء الخليقة ﴿وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ﴾ فمنحكم حرية الخيار تكريما لبني آدم، حتى يكون اختياركم الحق من الضلال عن طريق الاقتناع، باستعمال الفكر والعقل، وليس بالقسر والإكراه ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ﴾ أي تنافسوا باستخدام العقل والفكر للوصول إلى الخير والتفاهم، وليس العداوات ﴿إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً﴾ في الآخرة ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ أي يخبركم يوم القيامة ما كنتم عليه من الحق أو الضلال، فيجازيكم عليه من ثواب أو عقاب.

﴿وَأَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاِحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ﴾ (٤٩)

٤٩ - ﴿وَأَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ﴾ التكرار في التوجيه الإلهي تمهيد للتحذير الذي يليه، وهو في نفس الوقت ذو دلالة عامة، أي إن الحكم بين الناس يجب أن يكون بموجب الشرع الذي قرره الوحي وليس بموجب الأهواء، أي الأحكام الوضعية ﴿وَاِحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ﴾ احذرهم أيها النبي، والدلالة احذرهم أيها المسلم في كل الأزمنة والعصور، أن يفتنوك أي يذهبوا بعقلك، لأن الفتنة بهذا المعنى ذهاب العقل، والمعنى أنّ من يميل إلى تصديقهم في بعض ما يقولون كالتثليث وتأليه المسيح وغيره من الضلالات، فكأنما ذهب عقله ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ إن تولّوا عن الحكم بمعيار القرآن في أمور عقيدتهم ﴿فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ وليس بجميع ذنوبهم، لأنه لو أصابهم بها جميعا لهلكوا على الفور، والمعنى العام أيضا أن التولي المتعمّد عن تعاليم القرآن يحمل في طياته بذور

<<  <  ج: ص:  >  >>