للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مادني فلان أي أحسن إليّ (الرازي)، فإذا أخذنا بالاعتبار أنّ لفظ ﴿مُنَزِّلُها﴾ بالتشديد - كما هي قراءة الجمهور - ممّا يفيد التكرار والكثرة، فيحتمل المعنى أنه تعالى أجابهم بأنّه ينزّل الرزق على عباده دوما وباستمرار، سواء كان رزقا ماديا كالطعام والشراب، أو رزقا معنويا كالوحي الذي يتنزّل على جملة الأنبياء والرسل، وهذه كلّها دلائل عقلانية كافية بحد ذاتها، لغير المكابر ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ﴾ فمن يكفر بعد ذلك بالوحي الذي يتنزّل على الأنبياء والرسل، أو يكفر نعمه تعالى التي لا تحصى من طعام وشراب وغيره، فهو معرّض لعذاب شديد لا يتعرّض لمثله أحد غيره.

﴿وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ﴾ (١١٦)

١١٦ - ﴿وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ﴾ وهو خطابه تعالى لعيسى يوم يجمع الله الرسل (الآية ١٠٩) أو بعد رفعه كما سيرد في (الآية ١١٧).

﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ أي معبودين كائنين من دون الله، سواء كانت هذه العبادة على اعتقاد الألوهية بعيسى ووالدته، أو على اعتقاد وساطتهما عند الله، لقوله تعالى على لسان المشركين ﴿ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى﴾ [الزمر: ٣٩/ ٣]، وهذا الاستفهام منه تعالى لتثبيت النفي والإنكار ﴿قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ بدأ عيسى جوابه بالتسبيح، تنزيها لله تعالى عما لا يليق به من الشرك، وأضاف أن لم يكن له أدنى حق أن يقول ما قالت المسيحية عنه ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ فوّض عيسى الجواب بالكلّية إلى علم الله تعالى المحيط بكل شيء، وذلك مبالغة منه في إظهار الأدب، كي لا يقول: كلا لم أقله ﴿تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ﴾ أي تعلم ما في غيبي، ولا أعلم ما عندك من

<<  <  ج: ص:  >  >>