العرب، أخرج مالك في الموطّأ عن مالك عن ابن شهاب أنه ﷺ قال:«لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»، وأخرج أحمد في مسنده أنّ آخر ما عهد به النبي ﷺ أن قال:«لا يترك بجزيرة العرب دينان»، ﴿إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ﴾ أقلية مؤمنة منهم ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاِصْفَحْ﴾ الإشارة إلى الأقلية المؤمنة منهم، أو الباقية على العهد فلا يؤخذوا بذنوب غيرهم ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ لأنّ الذي يعفو يكون محسنا فيكون قريبا من الله.
١٤ - ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى﴾ اشتقت كلمة النصارى في القرآن الكريم من النصرة، وقد جاء على لسان عيسى المسيح قوله تعالى: ﴿قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ﴾ [آل عمران: ٣/ ٥٢]، أجابه الحواريون أنهم أنصار الدعوة إلى دين الله، وقد شرّفهم القرآن بهذه الصفة التي ادّعاها الحواريون لأنفسهم فسمّاهم نصارى، وإن كان من بعدهم - من أتباع كنيسة بولس - لم يلتزموا بنصرة دين المسيح، ولذلك قال تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى﴾ أي نسبوا أنفسهم إلى نصرة المسيح، حسب قولهم، وتكرر هذا الوصف في الآية (٨٢)﴾.
ومن المعروف أن عيسى المسيح لم يفوض أتباعه أن يسموا أنفسهم مسيحيين - نسبة إليه - كما لم يبتدع اسما خاصا لهم، ولا للتعاليم التي جاء بها، لأنه لم يأت ليؤسس دينا جديدا مخالفا لشريعة موسى، وإنما جاء لإصلاح اليهود وإحياء شريعة موسى الأصلية، وهو نفسه كان يهوديا يحترم الشريعة الموسوية ويتقيد بها، باستثناء ما وضعه عن اليهود من الأمور التي ابتدعوها وجعلوها عبئا على الدين، لقوله تعالى على لسان عيسى: ﴿وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ٣/ ٥٠]، وقد نقلوا عنه في