﴿مع أنّ مقاليد الحياة الآخرة والحياة الدنيا بيده تعالى وحده فليس بحاجة إلى شفعاء: ﴿فَلِلّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى﴾ (٢٥)
وإن كانت الملائكة لا تغني شفاعتها شيئا فمن باب أولى أن آلهتهم المزعومة لا تقدر على شيء: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى﴾ (٢٦) وحتى الملائكة لا تشفع إلا لمن يشاء تعالى أن تشفع له ويراه سبحانه أهلا للشفاعة.
وإن تسميتهم الملائكة بنات الله من الشناعة بحيث لا يجترئ عليها إلاّ كمن لا يؤمن بالآخرة أصلا ويأمن عقابها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى﴾ (٢٧)
وهم يتخبّطون في أمور الغيب، ويستخدمون الظنّ في مواضع اليقين: ﴿وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ (٢٨)
فلا على المؤمن المبالغة في الحرص على هداية من أصرّ على التولّي عن القرآن وانهمك في الجري وراء الدنيا: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا﴾ (٢٩)
والسبب في الأمر بالاعراض عنهم أنّ منتهى علمهم مقتصر على الحياة الدنيا دون الآخرة فلا فائدة من المبالغة في الحرص على هداهم، ولا يقابلهم المرء بصنيعهم، وأمرهم إلى الله: ﴿ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اِهْتَدى﴾ (٣٠)، وأنه تعالى أعلم بمن يؤول به استعداده السيء وفطرته التي فسدت إلى الضلال، وأعلم أيضا بمن يؤول به استعداده الحسن والفطرة السليمة إلى الهداية.
وأن الله تعالى يجازي كلاّ بعمله، وفي حين أن المسيء يلاقي جزاء إساءته تطبيقا للعدالة، فإن المحسن يلاقي أضعاف إحسانه: ﴿وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ﴾