للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركون المدينة بعد أن صارت بلا مدافعين، وقد يكون المعنى أيضا جازاكم الله غمّا بسبب الغمّ الذي أصاب الرسول من عصيانكم وهزيمتكم، والغمّ هو ضيق الصدر من أمر يسوء المرء، وإن لم يتبين حقيقة سببه، لأنّ الكلمة تتضمّن معنى الخفاء، فيقال غمّ الشيء إذا خفي، كما يقال: غمّ الهلال إذا لم يظهر، ويحتمل أيضا أن الغم الذي أصابهم ناتج عن الشعور بالخجل من سلوكهم في الهزيمة مما كان أكثر إيلاما لهم من فوات النصر ومن مقتل أصحابهم ﴿لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ﴾ لكيلا يكون حزنكم على فوت الغنيمة، إذ هنالك ما هو أهم منها ﴿وَلا ما أَصابَكُمْ﴾ من القتل والجراح والهزيمة ﴿وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ فلا تعتذروا عن أنفسكم ولا تخادعوها لأنه تعالى محيط بنفوسكم لا يخفى عليه شيء منها.

﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ (١٥٤)

١٥٤ - بعد أن هدأ القتال في أحد وصعد أبو سفيان الجبل وأشرف على المسلمين في شعب الوادي ودار حوار بينه وبين عمر، كان المسلمون في حالة من الإنهاك والجراح والقلق خائفين أن يجهز المشركون عليهم أو يدخلوا المدينة، فأنزل تعالى سكينته على طائفة منهم فأمنوا:

﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً﴾ الأمنة من الأمن، أي نزلت السكينة على قلوبهم فأزالت عنهم الخوف، وانصرف المشركون عائدون إلى مكة ﴿يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ﴾ وهم المؤمنون يقينا والمستسلمون لما اقتضته الحكمة الإلهية من العاقبة، نزلت السكينة عليهم وغفلوا عن الخطر المحيط بهم وغلبهم

<<  <  ج: ص:  >  >>