حتى تفجّر ماء زمزم فأنقذهما، فصار السعي بين الصفا والمروة رمزا للابتلاء والإيمان المطلق برحمة الله والصبر على الشدائد، وهذا أيضا من علاقة الآية بما قبلها فهو تحقيق لما ذكر بالآية (١٥٥) من أنه تعالى يبتلي عباده بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وأنّ الله مع الصابرين (الرازي)، ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اِعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما﴾ كان الناس في الجاهلية يسعون بين الصفا والمروة تعظيما لصنمين كانا عليهما، ولذا تحرّج المسلمون من الطواف بينهما، فبيّنت الآية أنّ الصفا والمروة من شعائر الله ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ من تطوّع خيرا فاعتمر فإنّ الله شاكر لعمله، عليم به، فالحجّ فريضة، والعمرة تطوّع.
١٥٩ - في هذه الآية عودة إلى أصل السياق وهو عداوة اليهود للنبي ﷺ وإنكارهم مكان القبلة، وكتمانهم البشارات بقدوم النبيّ الأحمد، كما كتموا الدلائل على نبوّة المسيح من قبل:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ﴾ قالوا: إن المقصود بالكتاب هو كتاب اليهود والنصارى، فتكون الإشارة بهذه الآية لهم، لأن أحبارهم وعلماءهم كانوا يحتكرون علم الكتاب ولا ينشرونه بين عامة الناس، بل إنهم كتبوا غيره من عندهم، ولم يترجم كتابهم المقدس إلى اللغات الأوروبية إلاّ في القرن السادس عشر،
ويحتمل أن تكون العبرة بعموم اللفظ أي لا يجوز كتمان ما أنزل على الأنبياء من الكتب والوحي والعلم ﴿أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ﴾ أصل اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد وفي الشرع هو الإبعاد من رحمة الله ﴿وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ﴾ الملائكة والمؤمنون يسألون ربّهم أن يبعد الكفّار من رحمته، والمغزى أنّ جميع الكائنات تراهم جديرين بلعنة الله.