المجازي، وأنه تعالى مسخ قلوبهم بمعنى الطبع والختم على القلوب، أي صاروا كالقرود متجردين من السمو الروحي الذي يتمتع به البشر، متهالكين على المادة والدنيا فقط، مستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير (الآية ٦١)، وقد قال عنهم تعالى أيضا: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً﴾ [الجمعة ٦٢/ ٥]، ولأنّ الإنسان إذا أصر على جهالته بعد ظهور البينات فالعرب تقول عنه مجازا: إنه حمار أو قرد، ويحتمل المعنى أيضا أن وجوه بعضهم صارت مشابهة للقرود كما نراهم اليوم ﴿خاسِئِينَ﴾ أي أذلاء مطرودين.
٦٦ - ﴿فَجَعَلْناها﴾ أي تلك العقوبة ﴿نَكالاً﴾ أي عقوبة غليظة رادعة ﴿لِما بَيْنَ يَدَيْها﴾ عبرة للناس في زمانهم ﴿وَما خَلْفَها﴾ وعبرة للأجيال القادمة ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ وهذا من سنن الله تعالى أن من يفسق عن أمر ربّه ينزل عن مرتبة الانسان، الذي كرّمه الله، الى مرتبة الحيوانات، وتخلو حياته من أي هدف سام.
٦٧ - ﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ ابتلي اليهود بفكرة تقديس البقرة (الآية ٥١) ولتحريرهم من ذلك أمروا بذبحها، وكان اختبارا قاسيا لهم ﴿قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً﴾ حاولوا التملّص بانتحال أعذار عن نوع البقرة المطلوب ذبحها، وقد اقتبس اليهود فكرة تقديس البقرة من المصريين خلال فترة عبوديتهم، لأن المصريين كانوا يعبدون تمثالا لعجل ذهبي في معبد عزيريس Osiris ، وهنالك أكثر من مغزى لهذه القصة كما سيرد ﴿قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ﴾ أي أعوذ بالله أن أقول عليه كذبا.