للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميعا، وهذا من الإعجاز القرآني، ومثل هؤلاء الناس عام لكل الأزمنة والعصور ولا يقتصر على غزوة تبوك ﴿حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ﴾ بسبب ندمهم وتوبيخ ضمائرهم وشعورهم بفظاعة الذنب الذي ارتكبوه صارت الدنيا ضيقة عليهم، وهو مجاز عن شدة حيرتهم، فلم يقرّوا في الدنيا مع رحبها وسعتها ﴿وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ لشدة الغم والحزن، كأن نفوسهم لا تسع الانشراح والسرور لضيقها ﴿وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاّ إِلَيْهِ﴾ علموا أن لا ملجأ من غضبه تعالى إلاّ استغفاره والتوبة إليه، وهو بمعنى قوله في الدعاء: «أللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»، ﴿ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ﴾ قبل توبتهم ﴿لِيَتُوبُوا﴾ ليستقيموا على التوبة ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوّابُ﴾ المبالغ في قبول التوبة من عباده ﴿الرَّحِيمُ﴾ يرحمهم ويتجاوز عن سيئاتهم.

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ﴾ (١١٩)

١١٩ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ﴾ بعد أن وصفت السورة بالآيات (٣٨ - ١١٨) أصنافا من المنافقين، ومن ضعاف الإيمان، والمذنبين، والتائبين، والمؤمنين، تأمرهم هنا بالتقوى، إن كانوا يدّعون الإيمان، وأمرهم أن يكونوا مع جماعة الصادقين في إيمانهم، ليس بالقول فقط ولكن بالعمل أيضا، بدليل الآية التالية.

﴿ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (١٢٠)

١٢٠ - بعد أن أمرت الآية السابقة المؤمنين بالتقوى، وأن يكونوا مع الصادقين، تبيّن هذه الآية أن الصدق يكون بالعمل، وليس بمجرّد القول، وأما العمل فنوعان: الأول جهاد بالقتال وبالإنفاق، وهو المذكور في هذه الآية والتي تليها، والثاني جهاد بالحجّة والعلم كما هو مذكور في الآية (١٢٢)﴾:

<<  <  ج: ص:  >  >>