للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلطانها ودولتها، وأما الأفراد فقد يتأخر عذابهم ويرجأ إلى الآخرة، وقد ينالهم في الدنيا قبل الآخرة.

﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ (١٨٣)

١٨٣ - ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أي أبقيهم مع إصرارهم على التكذيب، ولا أعاجلهم بالعقوبة، وأطيل مدّة أعمارهم لعلّهم يعودون بالتوبة، لأن الإملاء في اللغة هو الإمهال وإطالة الأمد، ونقيضه الإعجال، والمليّ زمان طويل من الدهر، ومنه قوله تعالى ﴿وَاُهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم ٤٦/ ١٩]، أي طويلا ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ الكيد كالمكر وهو التدبير الذي يقصد به غير ظاهره، ممّا يخدع المكيد له إن لم يكن فطنا، فلا يقلع عن المعاصي، وأكثر الكيد احتيال مذموم، ومنه المحمود الذي يقصد به المصلحة، وفي الحديث: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته».

﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ (١٨٤)

١٨٤ - بعد أن ذكر تعالى الميثاق الذي أخذه على ذرية آدم وما أودعهم من الفطرة، وهيّأ لهم سبل الهداية، ورغم ذلك فإن بعضهم أخلد إلى الأرض وكذّب بالآيات، وأنه تعالى يستدرجهم ويملي لهم ويمهلهم، عاد إلى الجواب على شبهاتهم: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ﴾ والكلام عن مشركي مكة أولا، وعن الكفار عامة، والمعنى ما عليهم سوى أن يتفكّروا بصورة موضوعية في سيرة النبي حتى يوقنوا أن دعوته الناس إلى الإسلام لا تنطوي على أي نوع من أنواع الجنون، وأن مخالفة أسلوب تفكيرهم وعباداتهم ليست جنونا، وقوله ﴿مِنْ جِنَّةٍ﴾ يوجب ألاّ يكون به أي نوع من أنواع الجنون كما زعموا، وصاحبهم هو النبي ، والتأكيد على كونه صاحبهم لأنه معروف منذ نشأته في قومه وعرفوا أخلاقه وطباعه وأمانته ممّا يستحيل أن يكون موضع شك، وهو في الوقت نفسه تأكيد على كونه بشرا لئلا ينزلق أتباعه في رفعه فوق منزلة البشر كما سيرد تأكيده في الآية (١٨٨)﴾، ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ نذير لهم

<<  <  ج: ص:  >  >>