للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي سورة هود كان تركيز قصص النبيين على مجيئهم أقوامهم بالبينة - الدليل العقلي -، وبالوحي، وكذا في سورة يوسف نقرأ الدليل العقلي في قوله تعالى على لسان يوسف: ﴿ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ﴾ [٤٠/ ١٢]، ورحمته تعالى ليوسف بالوحي: ﴿وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (٥٦)، كما في آيات (هود ٢٨/ ١١) و (هود ٦٣/ ١١).

[محور السورة]

لاحظ الرازي تشابها شديدا بين قصة يوسف مع أخوته وبين قصة النبي مع قومه في الكثير من مراحل دعوته لدرجة أن السورة كانت تذكرة لقريش بكيدها السيئ، وبما ستؤول إليه عاقبتها مع النبي ، فقد فشل أخوة يوسف في كيدهم ضده حتى انتهى بهم المطاف أن خرّوا له سجّدا، تماما كما كادت قريش للنبي تريد قتله حتى انتهى بها المطاف أن طلبت منه الرحمة بعد فتح مكة، وقد أشارت الآية (٧) إلى هذا المغزى سلفا، وهكذا عن طريق الربط بين قصة يوسف وبين سيرة النبي مع قومه تنبأت السورة عمليا بالخاتمة التي صدّقتها الأحداث خلال عشر سنوات تقريبا، إذ قال النبي لقريش بعد الفتح:

» أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء».

وتدور السورة حول قوله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ﴾ [يوسف ٤٠/ ١٢، ٦٧]، فكأن هذه الآية تهيمن على جميع مجريات الأحداث في قصة يوسف ، مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة ٢١٦/ ٢]، ففيها إشارة إلى الحكمة الإلهية في مجريات الأمور، الخافية عن معظم الخلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>