للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تدعوهم إليه ﴿عَرَضاً قَرِيباً﴾ أي مغنما سهل المنال، لأنّ العرض ما يعرض من منافع الدنيا، وسمّي عرضا لكونه زائلا، وفي الحديث: «الدنيا عرض حاضر يأكل منه البرّ والفاجر»، ﴿وَسَفَراً قاصِداً﴾ أي قاصدا عرض الدنيا بقصد الغنيمة ﴿لاتَّبَعُوكَ﴾ طمعا في الغنيمة ﴿وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ وهي المسافة التي تقطع بمشقّة ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ﴾ وهم المنافقون المتخلّفون عن النفير ﴿لَوِ اِسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ﴾ لقتال الروم ﴿يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ بالنفاق وبالحلف الكاذب ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾ في ادّعائهم، فقد كانوا يستطيعون الخروج، لكنهم منافقون طلاّب دنيا ولذّات عاجلة، استثقلوا الخروج، واستعظموا غزو الروم، ويئسوا من الغلبة عليهم، ومن المغنم.

﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ﴾ (٤٣)

٤٣ - ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ لأيّ سبب أذنت لهم بالقعود والتخلّف أيها الرسول؟ فقد كانت تلك مناسبة لغربلة الصادق منهم من الكاذب، ولكشف مواقف المنافقين منهم ﴿حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ﴾ حتى تنكشف مواقفهم، لأن الكاذبين لا يخرجون معك لغزو الروم سواء أذنت لهم أم لم تأذن، وقد كان إذن النبي لهم بالقعود من قبيل الرفق واللين، وعدم الرغبة أن يرافقه من كان منهم مترددا ضعيف الإيمان، فموقفه كان خلاف الأولى، لأنّ الأولى، كما بيّنته الآية، فرز الذين استأذنوا بحيث يتبيّن الصادق من الكاذب، وقد ذكر الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار أن علماء الأصول صرّحوا بجواز الخطأ في الاجتهاد على الأنبياء ، لكن الله تعالى لا يقرّهم عليه بل يبيّن لهم الصواب.

﴿لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ (٤٤)

٤٤ - وهذه صفة من صفات المؤمنين الحقيقيين: ﴿لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ المؤمنون بالله واليوم الآخر

<<  <  ج: ص:  >  >>