﴿فالنذر وما فيها من الحكم البالغة لا تنفع المكابرين ولا تزجرهم لأنهم في حالة من التشنج الفكري واتخاذ القرار المسبق: ﴿حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ﴾ (٥)
ولا سبيل للمؤمن في هذه الحالة سوى التولّي عنهم فليس عليه إلجاء غيره إلى الإيمان قسرا: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ (٦)
فلا سبيل إلى إيمان المصرّين على الكفر إلاّ يوم الحشر، عندما لا ينفعهم إيمان المعاينة: ﴿خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ (٧ - ٨)
وأن مثلهم كمثل قوم نوح من قبلهم كذّبوا بالبعث والجزاء، كما كذّبوا نبيّهم ونسبوه إلى الجنون وزجروه بدلا من أن تكون بعثته زجرا لهم عما كانوا عليه من الضلال: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَاُزْدُجِرَ﴾ (٩)
فلما أيس منهم ومن إيمانهم دعا ربّه: ﴿فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ (١٠)، ونظيره دعاؤه عليهم بآية [نوح ٢٦/ ٧١].
فلاقوا جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة: ﴿فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ (١١ - ١٢) عندما التقت مياه السماء بينابيع الأرض.
ونجا نوح والمؤمنون على سفينة أعدّوها سلفا من ألواح خشبية ومسامير أو رباطات من ليف، ﴿وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ﴾ (١٣)
وقوله ﴿ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ﴾ دلالة على ضعف التدبير البشري لولا أنّ السفينة تجري بعناية الله: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤)﴾