للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسالات السماوية وحرّفوها وابتدعوا فيها فقد باؤوا بسخط من الله، وبذلك يستقيم المعنى أيضا مع الآية المتقدمة.

﴿هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ (١٦٣)

١٦٣ - ﴿هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ﴾ لأنّ درجات أهل الثواب ممن اتبعوا رضوان الله متفاوتة، ودرجات أهل العقاب ممن باؤوا بسخطه متفاوتة أيضا على حسب تفاوت أعمال كل منهم، قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٩٩/ ٧ - ٨]، ومعنى عند الله أي في علمه وحكمه ﴿وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ فهو تعالى بصير بالدقائق والتفاصيل من أعمالهم فيترتب على ذلك لكل منهم درجات حسبما عملوا.

﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (١٦٤)

١٦٤ - وعلى النقيض ممّا يفكر به ويقوله المرجفون من اتهام النبي بالغلول الذي نزّهه تعالى ونزّه الأنبياء عنه، فإن الله تعالى قد منّ على المؤمنين ببعث الرسول فيهم: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً﴾ والمنّ بهذا المعنى هو كل ما ينعم به تعالى على عباده ممّا لا تعب فيه ولا نصب، ثم بيّن تعالى أسباب ذلك وهي أوّلا: أنّ الرسول من أنفسهم ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي لم يكن غريبا عنهم فقد عرفوا حقيقته ومعدنه منذ نشأته، عرفوه حسن الخلق، راجح العقل، صادقا عفيفا غير متهالك على الدنيا، أمينا حتى صار ذلك لقبه فلقّبوه الأمين، فكيف يعقل بعد كل ذلك وصفه بالغلول، وهو أيضا من أنفسهم أي من بين ظهرانيهم بما في ذلك من الشرف وعلو القدر لهم أن نزلت خاتم الرسالات على نبي منهم فكانوا أول المهتدين بالقرآن، وهو أيضا من أنفسهم أي بشر مثلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>