﴿ولذا بإمكان الإنسان أن يعمل صالحا - لنفسه - أو سيئا فيعود الضرر عليه، وقد تتحقق العدالة في الدنيا، أما في الآخرة فهي تتحقق على أتم وجه: ﴿مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ﴾ (٤٦)،
وأما علم الساعة والغيب فعنده تعالى وحده ما ينفي ادعاء المدّعين بحسابها معتمدين على شركاء موهومين: ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنّاكَ ما مِنّا مِنْ شَهِيدٍ﴾ (٤٧)،
ثم يقرّون يوم القيامة أن ما كانوا يدعون في الدنيا لم يكن سوى أوهام ومصالح دنيوية: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ﴾ (٤٨)،
ومن الناس من يكثر الدعاء لنفسه بالخير فإذا لحقت به أقل مصيبة وقع في حالة من اليأس والقنوط الروحي: ﴿لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ﴾ (٤٩)،
ثمّ يظن أن ما يحصل عليه من نعم - بعد الشدّة - إنما استحقه بمجهوده الصرف لا غير، فتغلب عليه عقليته المادية حتى يشكك بوقوع الساعة والحساب، ولشدة غروره يزيّن لنفسه أنها لو وقعت يضمن أنّ مآله سيكون حسنا: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنّا مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠)﴾ فيذوق الكفار العذاب بنتيجة حالة العمى الروحي التي كانوا عليها في دنياهم لقوله: ﴿وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الإسراء / ٧٢١٧]