للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[محور السورة]

الإعجاز في نزول القرآن منجّما على مدى ٢٣ عاما من البعثة النبوية دليل قاطع على استحالة ضلال النبي، ودليل أيضا على أنه وحي عن طريق جبريل الذي رآه النبي بصورته الحقيقية مرتين: الأولى في بداية الوحي كما في قوله تعالى: ﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى﴾ [٦/ ٥٣ - ٩]، والثانية ليلة المعراج عندما رأى بعضا من مظاهر الحقيقة الغيبية المطلقة: ﴿لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى﴾ [١٨/ ٥٣]

وفي مقابل تلك الحقيقة الغيبية المطلقة تلفت السورة النظر إلى رموز زائفة يسبغ عليها بعض الجهلة صفات وقدرات إلهية مزعومة كما كانت العرب تفعل في الجاهلية مع أوثانها، وكما يفعل البعض في كل زمان ومكان اتّباعا للظن والهوى: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى﴾ [٢٣/ ٥٣] وأن الظن لا يغني عن العلم اليقيني: ﴿وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ [٢٨/ ٥٣]

والنتيجة أن السورة تأمر المؤمنين بالإعراض عن أمثال هؤلاء الغافلين اللاهين، لأن تولّيهم عن الذكر جعل الحياة الدنيا واستغراقهم بها منتهى علمهم: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا﴾ [٢٩/ ٥٣] ولأنه تعالى يجازي كلاّ بعمله: ﴿أَلاّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [٣٨/ ٥٣]،

وتختم السورة بنهي المؤمنين عن الفخر والإعجاب بالنفس غرورا، وتحشد شواهد المعجزات الكونية وعبرا من نماذج الأمم البائدة والسنن الكونية، وبالتالي تنذر الناس بقرب وقوع الساعة والحساب، وتحذرهم من الغفلة:

﴿وَأَنْتُمْ سامِدُونَ﴾ [٦١/ ٥٣] وتدعوهم لعبادة الله الواحد الأحد والسجود له.

<<  <  ج: ص:  >  >>