﴿* سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ﴾ [الحاقّة ٦/ ٦٩ - ٨]، وهكذا انتهت حضارتهم العظيمة في عصرها التي وصفها تعالى بقوله: ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ﴾ [الفجر ٨/ ٨٩].
﴿ثم ينتقل الخطاب إلى كفار مكة، بل إلى مجتمعات الكفار في كل عصر، فقد مكّن تعالى قوم عاد من أساليب الحضارة المادية في عصرهم ما إن مكّن فيه الكفّار بعدهم لازدادوا طغيانا، لكن جحودهم بآيات الله منعهم من استخدام الحواس والعقل بالأسلوب السليم: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ﴾ (٢٦)، وأن الجحود ينعكس سلبا على أصحابه بشكل طبيعي: ﴿وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ (٢٦)
فمن سننه تعالى في أمثالهم أن يؤول مصير مجتمعاتهم إلى الهلاك: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (٢٧)
فلم تنفعهم الآلهة التي أشركوا بها، وهي ليست مقتصرة على الأصنام والآلهة المزعومة التي ظنّوا أنها تقربهم إلى الله زلفى - قربانا - بل تتجاوزها إلى ما عبدوه من الدنيا والمادة والشهوات والثروات والجاه والسلطان والأوهام - الإفك - والافتراء: ﴿فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ (٢٨)
وفي حين أنّ الجن استفادت من وحي القرآن فقد فشل في ذلك كثير من الإنس: ﴿وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)﴾، وتفصيل القصة مذكور في سورة الجن.