الحرّ والبرد، وزيادة سهولة كلّ منهما أو صعوبته مع الفصول، ودوران ذلك على الأماكن المتفرقة من أنحاء العالم ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها﴾ إتيان البيوت من ظهورها كناية عن الإنحراف، وأما إتيان البيوت من أبوابها فهو كناية عن اتباع الأساليب الصحيحة في الوصول إلى الأهداف ﴿وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اِتَّقى﴾ المعنى أنّ البر ليس مجرّد التمسك بالشكليات وبالمواقيت رغم أهميتها، ولكن البر هو التقوى، وإنّ مجرد القيام بالعبادات وحده غير كاف بل يجب أن يتعدّاه إلى العمل لأنّ التقوى عمل، ويجب أن يكون الباطن مطابقا للظاهر، انظر الآية (١٧٧) بهذا المعنى ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ هذه كناية معروفة في كلام العرب، والمعنى لكي تصلوا إلى مبتغاكم أطلبوا الأمور بطرقها الصحيحة وبأسبابها الموضوعية العلمية ﴿وَاِتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي اتّقوا الله على الوجه الصحيح لعلكم تظفرون بالمراد.
١٩٠ - انتقال الآيات (١٩٠ - ١٩٥) لبيان شروط القتال وأحكامه خلال الأشهر الحرم:
﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ﴾ الهدف الأساسي من الآية التأكيد على عدم استخدام القوة إلاّ عندما لا يكون هنالك مناص من استخدامها، فالقتال مشروع فقط لأغراض الدفاع، أي ضدّ من يقاتلون المسلمين، وهذا المبدأ واضح أيضا بقوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج ٢٢/ ٣٩]، وفي آية [الممتحنة: ٦٠/ ٨]، وآية [النساء: ٤/ ٩١]، أي إنه تعالى أمر بالجهاد بشرط إقدام الكفار على المقاتلة ﴿وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ أي لا تعتدوا بابتداء القتال، أو بقتال من نهيتم عنهم كالنساء والشيوخ والأطفال، أو بقتال من بينكم وبينهم عهد، أو بمباغتة من غير دعوة للقتال (الزمخشري).