هؤلاء الناس لأنهم فطروا على حب الشهوات: ﴿زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ﴾ أنشأهم تعالى على هذه الفطرة من حب الشهوات فهي طبيعة في البشر لأنّها من أسباب المعيشة وبقاء النوع.
وهي أيضا ابتلاء لقوله تعالى: ﴿إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الكهف: ١٨/ ٧]، واستنادا على هذه الفطرة يزيّن الشيطان للناس سوء أعمالهم، قال تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٦/ ٤٣]، وقال عزّ من قائل: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ﴾ [الأنفال:
٨/ ٤٨]، وقال جلّ ثناؤه: ﴿تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ [النحل: ١٦/ ٦٣]، فتكون هذه الزينة وحب الشهوات سببا لكفر الكافرين منهم، وهو وجه اتصال الآية مع ما قبلها.
﴿مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾ القناطير المقنطرة تعبير عن الكثرة، والقنطار وحدة وزن ﴿وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ﴾ الخيل الحسان ذات العلامة ﴿وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ﴾ المواشي والزرع ونتاجه ﴿ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ كلّ ذلك يستمتع به الناس في الحياة الدنيا، والمعنى لا يجب أن يكون المتاع كلّ همّهم ومنتهى آمالهم في القريب العاجل من الدنيا، فيصير شاغلا لهم عن الاستعداد للآخرة، لأنّ الله عنده أفضل من ذلك: ﴿وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ المرجع الحسن عنده.
١٥ - ﴿قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ﴾ ما هو خير من الشهوات المذكورة، والمغزى أن تلك الشهوات ليست شرّا بذاتها، وإنّما هي خير لأنها من نعم الله تعالى على عباده، ولكنّ طغيان البشر وغرورهم هو الذي يقلبها إلى شر ﴿لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾