والفكر يكون موجّها إلى الحكماء والعقلاء والمفكّرين، والموعظة هي أسلوب العوام السذّج، والمجادلة بالتي هي أحسن للمتوسّطين بينهم ممّن لم يرتق لطلب الحكمة ولا ينقاد للموعظة بسهولة، فلا بدّ من الحسنى في مخاطبتهم على قدر عقولهم، وهكذا فإنّ جميع أصناف الناس تنتفع بهدي الأنبياء كل صنف بمقدار استعداده، وأمّا الحكماء وهم الخاصّة من الناس المستعدّون لتلقّي الحكمة فالطريقة في دعوتهم واحدة لا ينتفع بها غيرهم، والآية تدلّ على أنّ قتل هؤلاء دليل على كبت الفكر والعقل وإزاحة العدالة جانبا، أمّا قوله تعالى: ﴿مِنَ النّاسِ﴾ فهو إشعار بقلّة عددهم ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ لفظ التبشير مشتق من البشرة لأن الإنسان يتغير لون بشرته إذا وصله خبر سعيد أو أليم، وإن كان غلب استعمال اللفظ عند البعض على البشارة الحسنة.
٢٢ - ﴿أُولئِكَ﴾ اليهود ﴿الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾ لأنّهم بذلوا طاقتهم ومساعيهم في أعمال تؤدي بهم إلى الكارثة في دنياهم وآخرتهم ﴿وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ﴾ ليس هنالك من سلطة تستطيع إنقاذهم.
٢٣ - ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ﴾ وهم اليهود والنصارى وغيرهم، والنصيب هو الجزء، وهو ما تبقّى عندهم من الوحي الذي نزل على أنبيائهم، انظر شرح الآية (٣)﴾، وقد يكون الكتاب بمعنى مجمل الوحي الذي نزل على كل الأنبياء فيكون ما نزل على أنبيائهم هو النصيب أو الجزء المشار إليه ﴿يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ دعوا إلى القرآن لأنه كتاب الله بلا منازع، كما دعوا إلى الإقرار بدلائل نبوّة خاتم الأنبياء والرسل الموجودة