ليس أمرا واجبا بذاته، بل هو موكول إلى مشيئته تعالى، فهو هبة وإحسان دائم، ثم قوله: ﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ أي دائما غير مقطوع، لئلاّ يتوهم متوهّم بعد ذكر المشيئة أنّ ثمّ انقطاع، بل حتم له بالدوام وعدم الانقطاع.
١٠٩ - ﴿فَلا تَكُ﴾ أيها النبي، وبالتالي أيها المسلم ﴿فِي مِرْيَةٍ﴾ في شك ﴿مِمّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ﴾ المشركون، أو هؤلاء الضالون، أي لا تكن في شك من ضلالهم، ولا تظنّ أن معتقداتهم مبنية على العقل، بل هي ضلال يؤدي بالضرورة إلى مثل ما حلّ بمن قبلهم، إن في الدنيا أو في الآخرة ﴿ما يَعْبُدُونَ إِلاّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ عباداتهم ليست سوى تقليد، بما فيه من قيم زائفة، تداولوه من الآباء والأجداد، مناف للعقل، وللوحي، ولرسالات الأنبياء ﴿وَإِنّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾ فما من خير يعمله أحدهم إلاّ ويوفيهم الله تعالى جزاءهم عليه في الدنيا بسعة الرزق وكشف الضر، جزاء تاما وافيا، لا ينقصه شيء يجزون عليه في الآخرة، فهو متاع عاجل لا يلبث أن ينقضي، وليس دليلا على رضا الله عنهم، لأنّ الحسنى في الآخرة لا تكون إلاّ للمؤمنين المتقين.
١١٠ - ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ﴾ التوراة ﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ اختلفوا في تفسيره وفي العمل به، وآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه وحرّفوه، وغيّروا وبدّلوا فيه ﴿وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾ وهي كلمة الإنظار، بتأجيل حسابهم إلى الآخرة بحسب الحكمة ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ أي ما منعهم أن يصيبهم عذاب الاستئصال في الدنيا، كما أصاب الأقوام البائدة المشار لها في هذه السورة، إلاّ أنهم آمنوا برسالة موسى ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ﴾ من الكتاب أي التوراة ﴿مُرِيبٍ﴾ الشك المريب الذي أوقعهم في الاضطراب، وأدّى بهم إلى التلاعب