﴿بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾ في هذه الحالة تكون المعاملة المؤجلة بلا كتابة ولا شهود ولا رهن لأن صاحب الحق لا يخاف خيانة غريمه، وفي حين أن الآية المتقدمة محمولة على الفرض والوجوب في الحالة العامة، فإن هذه الآية محمولة على الرخصة في حالة خاصة وهي الائتمان ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ﴾ وهو المدين الذي اؤتمن، عليه أن يؤدي الأمانة ﴿وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ﴾ على المدين أن يتّقي الله ولا يجحد ما عليه ﴿وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ﴾ كتمان الشهادة هنا أن ينكر المدين علمه بما عليه، وأيضا إن كان أحد من الناس عالما بما حدث فعليه أن يتقدّم للشهادة ولا يكتم علمه لقوله ﷺ:«خير الشهود من أدّى شهادته قبل أن يسألها» رواه أحمد وابن ماجه ﴿وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ من يكتم الشهادة فهو فاجر يتحمّل إثما، وعن ابن عباس أن أكبر الكبائر: الشرك بالله، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة ﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ لأنّه تعالى عليم بالخفايا فيحاسب عليها فذلك تحذير من الكتمان.
٢٨٤ - بعد أن جمع تعالى في هذه السورة من دلائل التوحيد والنبوة، ونسخ الشرائع السابقة بشرائع الإسلام خاتم الرسالات، وبيّن الشرائع والتكاليف في الحج والقصاص والوصية والصوم والجهاد والطلاق والخلع والحيض والعدّة والصداق والمتاع والرضاع والأرامل والصلاة وحرية العقيدة والزكاة والربا والمداينة والمبايعة، ختم تعالى السورة بهذه الآية الشاملة:
﴿لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ تعبير عن كمال الملك وكمال القدرة الإلهية، ثمّ أتبع تعالى بالتعبير عن كمال العلم الإلهي المحيط بالكليّات والجزئيات: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ﴾ الإشارة إلى الخصال السيّئة التي ثبتت في بعض النفوس كالنفاق والحسد والبغضاء والحقد