للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ (١٨٩)

١٨٩ - وهنا تعود السورة للموضوع الذي بدأت منه بالآيات (١١ - ٣٠) عن خلق البشر واستعدادهم للخير والشر: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ خلق تعالى البشر كلّ هم من أنفس متماثلة فهي من ثمّ نفس واحدة، أي من جنس واحد ﴿وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها﴾ الزوج في اللغة يطلق على الجنسين فالمرأة زوج الرجل، والرجل زوج المرأة، والمعنى أنه تعالى خلق زوجها من جنسها، فالزوجين من جنس واحد، انظر شرح الآية (١٩) وآية [النساء ١/ ٤] ﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْها﴾ سكونا زوجيا، ينتج عنه الاطمئنان والميل والمحبة والأنس ﴿فَلَمّا تَغَشّاها﴾ كناية نزيهة عن أداء الوظيفة الزوجية، أي لمّا تغشى الزوج الذي هو الذكر، الزوج التي هي الأنثى ﴿حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ﴾ في أول الحمل لا تكاد المرأة تشعر به ﴿فَلَمّا أَثْقَلَتْ﴾ ثقل حملها وقارب وقت الوضع ﴿دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً﴾ أي ولدا صالحا تام الخلق والخلق ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ إن آتيتنا ولدا صالحا نقوم لك بحق الشكر قولا وعملا واعتقادا وإخلاصا، والكلام عام عن جنس الرجل والمرأة، وليس مختصا بآدم وحواء، وذلك واضح من الآية التالية بأنهما جعلا لله شركاء فيما آتاهما، ومن الآيات التي تليها عن إصرار أمثال هؤلاء على الشرك.

﴿فَلَمّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ (١٩٠)

١٩٠ - ﴿فَلَمّا آتاهُما صالِحاً﴾ فلمّا آتاهما ولدا صالحا ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما﴾ جعلا لله شركاء فيما آتاهما من الذرية الصالحة، إذ سرعان ما ينسى الأبوان هذه الهبة والمعجزة الإلهية الباهرة التي نتج عنها خلق الحياة في المولود الجديد، وبدلا من التفكر في هذا الإعجاز الإلهي وشكره تعالى قولا وعملا على هذه النعمة، فإنهما يعتادان على المولود الجديد، ويعتبران خلقه أمرا عاديا بديهيا مسلّما به، وبدلا من اعتبار هذه المعجزة دليلا آخر على وحدانية

<<  <  ج: ص:  >  >>