والانحطاط الفكري لدى اليهود قد تغلغل فيهم بعد زمن يوسف ﵇ لدرجة أنهم اعتادوا على الممارسات الفاسدة التي كانت منتشرة بين حكامهم، بما فيها عبادة العجل ﴿وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ﴾ ظالمون أنفسكم بهذه الوثنية التي ارتكستم إليها بعد أن عرفتم طريق الهداية الصحيح.
وبعد حوالي قرنين من الزمن ارتكس اليهود مرة أخرى إلى عبادة العجول الذهبية، بعد وفاة سليمان وانقسام مملكته إلى جزئين، إذ قرر الملك يربعام، ملك الجزء الشمالي المسمّى إسرائيل، تكريس العبادة للعجل الذهبي في كل من المعبدين الملكيين دان وبيت إل، وأنشأ عجلا ذهبيا في كل منهما يفترض أنه كان يرمز إلى إله اليهود يهوه، ولكنه في نفس الوقت كان يرمز إلى بعل إله الكنعانيين، انظر سورة [الصافات ٣٧/ ١٢٥]، كل ذلك رغم ما خصّ الله به اليهود من الرسالة والمعجزات، وهو دليل على تشرّبهم الوثنية وعبادة المادة، ومنه قوله تعالى عنهم: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ [البقرة ٧/ ٩٣].
٥٣ - ﴿وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ﴾ التوراة وفيها الفرقان، وقد يكون تقدير الخطاب أيضا: الكتاب، وهو الفرقان، وسمّي الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل، وقيل أيضا: إن الفرقان هو مقدرة المؤمن على التفريق بين الحق والباطل، كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً﴾ [الأنفال ٨/ ٢٩]، ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ للتفريق بين الحق والباطل.