ولذا وجب أن تتسم الدعوة بالرفق وباللين وبدافع الأمل والرجاء من قبل الداعي: ﴿اِذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى﴾ (٤٣ - ٤٤)، وبالمقابل يكون التكالب على مكاسب الدنيا سببا للمكابرة والجحود: ﴿قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى﴾ (٥٧)، وأن مفهوم الإنسان للزمن الدنيوي ليس سوى وهم، ما قد يؤدي به إلى الهاوية: ﴿يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً * نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً﴾ (١٠٣ - ١٠٤)، لأنّ الجاحد يجري وراء مادية الدنيا ظانّا أنه يخلد أبد الدهر ناسيا آخرته: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى﴾ (١٢٠).
فعلى المرء أن يستوعب القرآن بنظرة شمولية متكاملة، وليس بنظرة مجتزأة لبعض الآيات والسور: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ (١١٤)، وأن من يعرض عن الذكر يحيا حياة دنيوية مادية عقيمة: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾ (١٢٤)، وأن القرآن الكريم نزل على البشرية مبينا لها حقيقة ما سبق من الكتب المنزلة: ﴿وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى﴾ (١٣٣).
وإنّ من طبيعة النفس البشرية أن يظن كل امرئ، بغض النظر عن معتقده، أن أسلوبه في الحياة هو الصحيح ثم لا يدرك الحقيقة وعاقبة أمره إلا بعد الفوات: ﴿قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اِهْتَدى﴾ (١٣٥).
﷽
﴿طه﴾ (١)
١ - ﴿طه﴾ قال بعض المفسرين إنّ طه من الحروف المقطّعات، انظر شرح آية [البقرة ١/ ٢]، ومع ذلك فإنّ كلمة (طه) ذات معنى في اللهجات السريانية